مصطفى الرواص
تناولت جريدتا «ا ب س » و « أوكي دياريو » الإسبانيتين الأربعاء الماضي 12/04/2023 في مقالين خصصتا للقاصرين الذين عبروا إلى سبتة السليبة في غشت 2021 والذين أعادت بعضهم سلطات مدينة سبتة السليبة إلى المغرب في حدث هز الرأي العام العالمي آنذاك في سياق التوتر الذي نشب بين الجارتين المملكتين المغربية والإسبانية إثر نقل الزعيـــــــــم الوهمــــــــي الانفصالي « بن بطوش »إلى مستشفيات مدينة سرقسطة للعلاج في سرية تامة محبوكة بين المخابرتين الجزائرية والإسبانية قبل أن تهب رياح المصالحة بين البلدين واعتراف مدريد بالحكم الذاتي للصحراء المغربية.
وبعيدا عن التفاصيل التي ستبث فيها المحكمة العليا حول ما إذا كانت اتفاقية إسبانيا مع المغرب تسمح بعودة القاصرين غير المصحوبين بذويهم دون فتح الملف الإداري بعد الوقوف ، على وجه التحديد ، على مجموعة من المواد القانونية من أهمها المادة 5 من الاتفاق الموقع بين البلدين في عام 2007 بشأن “التعاون في مجال منع الهجرة غير الشرعية للقاصرين غير المصحوبين بذويهم وحمايتهم والعودة المنسقة ” وأيضًا المادة 35 من القانون الأساسي بشأن حقوق وحريات الأجانب في إسبانيا ، بالإضافة إلى مواد مختلفة من المرسوم الملكي الذي يوافق على لوائح القانون الأساسي بشأن حقوق وحريات الأجانب في إسبانيا.
واستبعادا لأي تأويل حول قانونية هذه الإعادة للقاصرين المغاربة – أو عدمها – وتسلميهم إلى السلطات المغربية دون اتخاذ أية إجراءات قضائية سواء كان تقريرا أو ادعاء أو أي قرار أي بمعنى دون وجود أي أثر قانوني لملف الإعادة إلى المغرب باستحضار تام للمخاطر التي يمكن أن تنتج حول هذه الأفعال والتي قد تهدد سلامتهم الجسدية والنفسية ؛ فإن المتأمل في المقالين تستوقفه فكرتان مررتا بشكل سلس الى الرأي العام الإسباني لتغليطه وتضخيم صورة «المورو» قي مخيلته من أجل العمل على التباعد بين الشعبين الجارين اللذين تسري في دمائهما روابط العمومة التاريخية :
الفكرة الأولى تتعلق بما سمته أوكي دياريو في المقال ب غزو القاصرين في إشارة الى عبور القاصرين الى مدينة سبتة السليبة في ذلك اليوم المشهود وهو ما يشير بوضوح إلى تطرف هذا الموقع وتشدده ونهله من القاموس اليميني المتطرف والمتعصب : فالغزو شكل من أشكال الحروب التقليدية يغذيها فكر قروسطي بعيد كل البعد عن الحداثة والديموقراطية التي تنعم بها جارتنا الشمالية واللذين بفضلهما عبرت الجزيرة الإيبيرية إلى مصاف الدول المتطورة الصاعدة عبر مسؤولين وحكام أمثال جلالة الملك خوان كارلوس والزعماء السياسيين سواء كانوا اشتراكيين أو يساريين أو ليبيراليين من أمثال فيليبي غونزاليس وطاماميس وساباطيرو وغيرهم ساهموا كل من موقعه في تطوير عقلية الإسباني وإخراجه من ظلمات الديكتاتورية إلى رحاب الأنوار والرفاهية والديموقراطية بينما لا يعدو الأمر أن يكون لحظة فارقة عانق خلالها القاصرون المغاربة مدينتهم السليبة واستنشقوا هواءها وحلموا بأضوائها .
أما الفكرة الثانية فتتعلق بالعنوان الصغير الذي وضعته جريدة « أ ب س » في نسختها الإلكترونية تقول فيه : «رئيس مجلس الشيوخ المغربي يؤكد أن المغاربة سيستعيدون مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين ».
وواضح من هذا العنوان الفكرة المررة إلى الشعب الإسباني ومفادها أن لا ثقة في « المورو » سواء كان إنسانا عاديا أو مسؤولا .ففي الوقت الذي يعقد فيه البلدان اتفاقيات الشراكة وحسن الجوار في فبراير الماضي واعتراف المملكة الإسبانية بالحكم الذاتي للصحراء المغربية ؛ تقول الجريدة ؛ يخرج رئيس مجلس المستشارين السيد النعيم ميارة بهذا التصريح المستفز للجارة الإيبيرية .والحقيقة أنه عوض أن نعتبر أن الأمر لا يعدو أن يكون ميساجا سياسيا يذكر الإسبان أن المغاربة ؛ على الرغم من هذا الاحتلال الطويل للمدينتين السليبتين اللتين فقدتا في إطار حروب الاسترداد بين الجارين في القرن الخامس عشر الميلادي ؛ فإنهم لم ينسوا المدينتين شأنهم في ذلك شأن الشعب الإسباني في قضية جبل طارق التابع للإنجليز. وفي الوقت الذي سيشرع فيه الإسبان في فتح هذا الملف فإن المغاربة سيطالبون بمدينتيهم السليبتين لأن السياق كان واحدا ومتشابها .
إذن فلا غرابة في تصريح المسؤول المغربي ولا بأس أن يخرج بين الفينة والأخرى من يذكر الإسبان بسلبهم لمدينتين تابعتين للمملكة المغربية وفي ترابها على أساس الحوار المتبادل بين الطرفين وفي استحضار تام للمصالح العليا المشتركة للشعبين الإسباني والمغربي لأن ما يجمع بين هذين الشعبين الجارين أكثر مما يفرق بينهما .