التحالفات السياسية الممكنة لترِأس الاشتراكيين حكومة كاطالونيا
لأول مرة ،بعد ثلاث دورات انتخابية ،حقق الحزب الاشتراكي الكاطالوني فوزا كبيرا على خصومه السياسيين في الانتخابات الجهوية التي جرت أطوارها في جهة كاطالونيا يوم الأحد الماضي 12 مايو 2024 .وتجلى هذا الفوز الواضح سواء في عدد المقاعد البرلمانية المحصل عليها في البرلمان الكاطالوني – لاخينيراليداد – وعددها 42 مقعدا أو في عدد الأصوات المعبر عنها والتي وصلت إلى 872959 صوتا بنسبة بلغت 27.96 % .وبذلك احتل حزب بيدرو سانشيز المرتبة الأولى متبوعا بالحزب القومي الكاطالوني Junts per catalunya ثم حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني ERC ومن تم حرم مرشح الحزب سالفادور إيا كتلة الاستقلال من الأغلبية التي كانت تتمتع بها منذ بدء هذا التحالف في عام 2012 خاصة في المدن الكبرى بالجهة.
- بيري أراغونيس الرئيس السابق لكاطالونيا يعلن أن حزبه – حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني ERC – سيذهب إلى المعارضة بعد خسارة 13 مقعدا ويغادر الخط الأمامي للسياسة:
خسر التشكيل اليساري ل«اليسار الجمهوري الكاطالوني» الذي يترأسه الرئيس الحالي بيري أراغونيس 13 مقعدا من أصل 33 (أي حصل على 20 مقعدا فقط ) مقارنة بانتخابات 2021،وبذلك أعلن هذا الزعيم اليساري أن حزبه “لا يعتزم الدخول في أي لعبة سياسية أو اتفاق مع الحزب الاشتراكي الكاطالوني وأنه سيتوجه في هذا الصدد إلى المعارضة”. علاوة على ذلك، فتح أراغونيس الباب على مصراعيه لمغادرة الخط الأمامي للسياسة وألمح إلى أن حزبه يحتاج إلى تغييرات داخلية موضحا ” أن النتائج كانت سيئة للغاية ” وأن “عمل الحكومة اليسارية والجمهورية والالتزام بالتفاوض لم يتم تقديره بشكل كافٍ أو أن المواطنين يعتبرون أن الأمر متروك الآن لشخص آخر لقيادة المرحلة الجديدة” ومستدركا أنه “قد حان الوقت لتحمل المسؤوليات الفردية، ولكن الجماعية أيضًا، لتكييف وإعادة توجيه مشروعنا مع السياق الجديد”.
ويرى المتتبعون للشأن الإسباني أن ترشيح الرئيس الأسبق لكاطالونيا والفار من العدالة كارليس بويغديمونت كان له الأثر السلبي على اليسار الجمهوري الكاطالوني في هذه الانتخابات الأخيرة ليس فقط من حيث سرقة الناخبين المتعاطفين مع هذا الحزب، بل أيضا من حيث تقديم المزيد من الأسباب لعدم التعبئة لمنافسته في المناطق الأساسية التقليدية التي يسيطر عليها أنصار “كتلة الاستقلال” كما لعب أيضا تشكيل “الاستقلال” الكاره للأجانب في البرلمان الكاطالوني “أليانسا كاطالونيا” دورا كبيرا في تحجيمه خاصة في مقاطعات جيرونا ولييدا والتي حصلت بموجبها – في هاتين المدينتين – على مقاعد على حساب الجمهوريين وليس على حساب Junts .
وإذا أضفنا إلى هذا العامل جوانب أخرى مثل عامل الاستقطاب الحاد بين ” كتلة الاستقلال” من جهة والحزب الاشتراكي الكاطالوني من جهة أخرى، وهو استقطاب ميز المرحلة السابقة أدركنا جيدا أسباب هذا التراجع ناهيك عن افتقار حكومة أراغونيس إلى التواصل الفعال مع المواطنين لعرض منجزاتها على الرغم من المجهودات الكبيرة التي قدمتها سواء على مستوى رعاية الأطفال المجانية أو على مستويات أخرى غيرها فإن حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني لم يتمكن من الحصول على فوائد انتخابية.
- بويغديمونت يهدد باستخدام حق النقض ضد الحكومة المركزية في مدريد إذا لم يترأس حكومة كاطالونيا.
على الرغم من أن ” كتلة الاستقلال” لم تحظ بالأغلبية العددية في انتخابات كاطالونيا يوم الأحد الماضي خلافا للسنوات الماضية فإن الحزب القومي الكاطالوني Junts per catalunya احتل المرتبة الثانية ب35 مقعدا أي بزيادة ثلاث مقاعد في الانتخابات الأخيرة في 2021 لذلك يرى زعيم هذه الحزب – بويغديمونت – أنه يتمتع بالشرعية لقيادة هذه الحكومة الجهوية «التي تتمتع بالطاعة الكاطالونية بشكل واضح » حسب تعبيره خصوصا وأن حلفاءه في اليسار الجمهوري الكاطالوني وباقي التشكيلات الكاطالانية القومية الأخرى فقدوا الكثير من بريقهم الانتخابي في اقتراع 12 مايو الماضي ناهيك عن أن الاشتراكيين على مستوى المركز كرروا خلال حملتهم الانتخابية على أن هدفهم هو توفير “الاستقرار”.
وهكذا يعبر الزعيم الفار من العدالة عن نيته الثابتة في أن يصبح رئيسا لحكومة كاطالونيا بالضغط على اليسار الجمهوري الكاطالوني لعرقلة أي اتفاق بينه وبين الحزب الاشتراكي الكاطالوني لإجبار سالفادور إيا على البحث عن حلفاء جدد من أحزاب اليمين كما حدث في انتخاب رئيس مدينة برشلونة لتعقيد تنصيبه رئيسا لكاطالونيا مؤكدا أن الحكومة التي سيقودها “تعطي قوة برلمانية أكبر من تلك التي سيقودها السيد سالفادور إيا ” وموضحا أن الاتصالات الأولى مع الجمهوريين بدأت، دون أن يحدد ماهية ردهم مضيفا أنهم ما زالوا “بعيدين عن وضع إطار للتفاوض، إذا كانت هناك احتمالات لذلك”.
وفيما يتعلق بإمكانية إعادة الانتخابات إذا لم يحصل على الأغلبية العددية لدعمه علق كارليس بويغديمونت أن “الإعادة ستكون خيارا سيئا للغاية لمواطني كاطالونيا ” مهددا أن استخدام حق النقض وارد ضد الحكومة المركزية في مدريد إذا التجأ الاشتراكيون الكاطالانيون إلى الخيار الثلاثي بينهم وبين باقي التشكيلات اليسارية الأخرى (سومار وبوديموس) للحسم في – الخينيراليداد – لأنه أيضا “خيار سيء “.
وهكذا يعقد بويغديمونت خيارات الاشتراكيين للحسم في رئاسة الحكومة الجهوية ويذكر أنه إذا لم يترأس حكومة كاطالونيا فإنه سيعتزل السياسة.
- الحزب الاشتراكي الكاطالوني: بزوغ حقبة جديدة في كاطالونيا
الفائز الأكبر في ليلة 12 من مايو الماضي بكاطالونيا كان هو الحزب الاشتراكي الكاطالوني: فلأول مرة تمكن الاشتراكيون الكاطالانيون من تحقيق النصر سواء في عدد الأصوات أو في عدد المقاعد، وهو ا لانتصار الذي استعصى عليهم حتى عندما كانوا يسيرون الحكومة الكاطالونية في عهد الزعيمين باسكوال ماراجال وخوسي مونطيلا قبل ثلاث دورات انتخابية سابقة. إذن فاز الاشتراكيون ب 42 مقعدا من أصل 135 في البرلمان الكاطالوني، أي بتسعة مقاعد إضافية عن الانتخابات الأخيرة بنسبة 28% من الأصوات. وتعزز هذه النتيجة التزام رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز، المحفوف بالمخاطر بقانون «العفو» والاتفاقات مع القوى المؤيدة للاستقلال. وعنونت إحدى كبريات الجرائد الإسبانية وهي جريدة «الباييس» القريبة من الحزب الاشتراكي مقالا لها مساء يوم الأحد الماضي إبان ظهور نتائج الانتخابات بهذا العنوان المثير: «انتصار سالفادور إيا يدفن “القضية”» وتعني بها قضية استقلال كاطالونيا.
وبذلك يرى سانشيز أن ” الكاطالونيين صوتوا لصالح فتح فترة جديدة مفيدة لإسبانيا بأكملها. وأكد أن فوز الاشتراكيين من حيث الأصوات والمقاعد أنهى عقدًا من الانقسام في المجتمع الكاطالوني وسيفتح حقبة جديدة من التفاهم. وأصر في اجتماع يوم الاثنين الماضي أمام قيادة الحزب العمالي الاشتراكي، على أن هذه النتيجة تؤكد سياسته بأكملها اتجـــاه كاطالونيا. “
وهكذا تفقد «كتلة الاستقلال» أغلبيتها بعد أن سيطرت أكثر من ثلاث دورات انتخابية سابقة؛ وفي ظهوره كفائز في المركز الأول، ركز سالفادور إيا على تسليط الضوء على أن كاطالونيا “تفتح مرحلة جديدة” وأن قرار الكاطالونيين متأثر “بعوامل كثيرة”، من بينها تسليط الضوء على “السياسات التي تتبعها حكومة بيدرو سانشيز” خاصة مع قانون ” العفو“ الذي اقترحه رئيس الحكومة ليحل به أزمة كاطالونيا لأنها في رأيه مسألة سياسية وليست مسألة جنائية كما تعامل معها الحزب الشعبي سابقا ومن تم فالحل يجب أن يكون سياسيا وليس جنائيا وبذلك تتم محاكمة المدانين انطلاقا من هذا التصور ليعفو عنهم رئيس الحكومة لاحقا بعفو يقدم في هذا الصدد. وبذلك فإن العفو سيستفيد منه جميع الكاطالانيين ” مهما كان رأيهم ومهما كانت اللغة التي يتحدثون بها ومن أي مكان أتوا “. وبذلك تم تعطيل حركة «كتلة الاستقلال» وإنهاء ما تبقى من عملية الانفصال دون أن يكون لليمين الإسباني حضور قوي في تشكيل الحكومة الكاطالونية المقبلة علما أن هذا القانون – قانون العفو – أدى سابقا إلى توتر كبير في السياسة الإسبانية في العلاقة بين الحزبين الكبيرين الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي . وهكذا يصبح هذا الأخير خارج اللعبة تمامًا مع النتيجة الكاطالونية، والتي، هي حسب الاشتراكيين، نتيجة تدعم سياسات بيدرو سانشيز، وقبل كل شيء، تترك المعارضة منزوعة السلاح في لحظة مهمة حيث الحكومة المركزية بمدريد تحاول إعداد كل شيء للبدء بقوة بشرط أن يقرر «اليسار الجمهوري الكاطالوني» المضي قدمًا لدعم الحكومة الكاطالونية الاشتراكية المقبلة.
ولتحقيق بزوغ هذا الفجر الجديد لكاطالونيا، كاطالونيا بحكومة اشتراكية، يسعى الحزب الاشتراكي الكاطالوني إلى إبرام تحالفات سياسية تبدو معقدة لكنها ليست مستحيلة من أهم خياراتها:
الخيار الأول وهو التحالف مع «اليسار الجمهوري الكاطالوني» ERC وباقي مكونات اليسار الأخرى من قبيل سومار وبوديموس بعد إبرام ميثاق لليسار وإن كان الاشتراكيون يشعرون بالقلق إزاء الأزمة في هذا الحزب بعد تراجع نتائجه في الانتخابات الأخيرة واحتمال صدور قرار حزبي يبعدهم عن التحالف مع الاشتراكيين، لكنهم يعتقدون أنه يجب منح هذا الحزب الوقت الكافي للتفكير ويأملون بإصدار قرار إيجابي للجميع يتم بمقتضاه التفاوض والاستمرار في دعم الحكومة الكاطالونية المقبلة في إطار تحالف سياسي.
الخيار الثاني: وفي حالة رفض «اليسار الجمهوري الكاطالوني» هذا العرض سيكون الحزب الاشتراكي مجبرا على التحالف مع «كتلة الاستقلال» خاصة وأن هذه الأخيرة دعمت بيدرو سانشيز في توليه رئاسة الحكومة وكانت عاملا حاسما في هذا التنصيب. ويعتقد زعيم هذه الكتلة بويغديمونت أنه آن الأوان لرد الجميل بدعمه ليترأس حكومة كاطالونيا وفي حالة الرفض قد تتعقد الأمور على مستوى الحكومة المركزية بالتخلي عن دعم الاشتراكيين خاصة وأن هذا الأخير يهدد بالاستقالة في حال عدم تنصيبه رئيسا. وحسب سالفادور إيا نفسه فإنه لن يستسلم لضغوط «حركة الاستقلال» للتخلي عن فوزه والرئاسة مقابل استمرار المكون الانفصالي في دعم حكومة بيدرو سانشيز في مجلس النواب.
أما الخيار الثالث فهو خيار يتم بمقتضاه التوصل إلى اتفاق مع باقي المكونات السياسية اليمينية الأخرى مع امتناع القوى الأخرى عن التصويت وقد حدث هذا الأمر بالفعل في انتخاب رئيس بلدية برشلونة سابقا.
تلك إذن هي الخيارات الأكثر وضوحا حسب متتبعي الشأن العام الإسباني وإن كان الخيار الأول هو الأقرب للإنجاز والتوقع. فهل يبزغ بالفعل فجر جديد في كاطالونيا الآن؟